نظرية التعلّم التحويلي Transformative Learning

أمجد المصري – 09 / 09 / 2022

بدأت تلقى هذه النظرية صدى في بلادنا بين أوساط بعض الاشخاص او المؤسسات على أساس انها العصا السحرية التي ستحدث التغيير في التعليم في بلادنا. كالعادة فان الاشياء المستوردة قد يصلح تطبيقها في دول ومجتمعات معيّنة، وقد تحتاج اعادة تقييم وموائمة في مجتمعات ، وقد ترفض في مجتمعات أخرى. والذي يحدد الاخذ أو اعادة لنظر أو الرفض هو فهم مضمون النظرية المستوردة وأثرها البعيد على ذلك المجتمع. 

نظرية التعلّم التحويلي تهدف الى إحداث تغيير في الأطر المرجعية للمتعلّمين ( خاصة الشباب)، والمقصود بالاطر المرجعية :الثقافة والقيم والمعتقدات التي ينظر المتعلمين من خلالها للحياة ومنها اكتسبوا سلوكهم، وبالتالي فانّه تعلُّم يسعى لاحداث  تحوّل في رؤية المتعلّم للاشياء والمواقف من خلال عدسات  (نظارات) مختلفة.

النظرية تحدد عشر مراحل لاحداث التحوّل، طبعا المراحل في عموميتها وكخطوط عريضة ليست المشكلة، ولكن المشكلة في آلية توظيفها ونوعية المشاكل التي ستطرح وتفاصيل التطبيقات عليها.

فالنظرية لن تقدم اسرارا علمية ولا تكنولوجية للمتعلمين ، فهي موجهة نحو احداث تغيير في المنظومة الاجتماعية، فالعقائد والقيم الاجتماعية والموروث الثقافي يمكن تكون وجهات نظر او موضع شك وتساؤل يمكن مناقشتها وتكييفها وفقا للوقائع والمعلومات الجديدة التي تتوفر لدى المتعلمين بعيدا عن أي ضوابط أومرجعية دينية أوقيم اجتماعية.

 

ويترتب على ذلك أن المتعلّم يجد نفسه يتقبل الوقائع أو يتعامل معها بناء على تفهّم الاخرين من وجهة نظرهم (بتغيير العدسات) بغض النظر ان كانت تلك الوقائع تتعارض او تتفق مع معتقداته، فمثلا اذا كنت ترى أن من يحتلّ أرضك هو معتد وعدو ، فبمجرد ان تلبس النظارة التي يرى هو بها الاشياء ستجد انه انسان يريد العيش بسلام وانت من تعاديه، وعليك ان تجد طريقة للتعايش معه فالمشكلة قد تكون عندك. واذا كنت ترى بعدساتك التي ورثتها من معتقدك او ثقافتك أن الشاذ جنسيّا يرتكب حراما ، فبمجرّد ان تنظر للامر باستخدام عدسة أخرى ستجد انه يمارس رغبته في التعبير عن مشاعره وحريته في الحياة، وانت ضيّق الافق منغلق الفكر، وكذلك الامر بالنسبة للعلاقات بين الجنسين وتشريع الاجهاض وغيرها.

 

طبعا هذه الامثلة قد تبدو صادمة ، ولكنها النتيجة بعيدة الامد، لأن البداية بتطبيق النظرية لن تكون بهذا الشكل الصدامي، بل ستأخذ التدرّج في الطرح على شكل نماذج بسيطة مثل طرح مفهوم التعاون ، ثم فهم وجهة نظر الاخرين ، ثم تقبل الآخر وتقبل الاختلاف ، عدم التمييز على اللون والجنس والدين، ومفهوم الجندر ويتدرّج حتى يصل الى ما يريد بعد التلاعب بعقل المتعلّم البسيط .  وقد تمرّر هذه المفاهيم من خلال انشطة لا منهجية مثل المخيمات، ويمكن ادراج بعض منها في الكتب المدرسية كأمثلة.

عقيدتنا تحثنا أن ننظر لبعض الامور بعدسة أخرى للآخرين ، فهي تدفعنا للشعور بالفقراء والمساكين وتشجعنا على الصدقة والزكاة ، وكذلك الاحساس بالضعفاء والمرضى وتقديم المساعدة لهم ، ولكن لا نلبس عدسة لنرى بها مبررا للسارق والمعتدي على حقوق الآخرين أو مناقشة تشريع العلاقات المحرّمة. 

قد ينظر البعض لهذا الطرح كأنه حكم مسبق على الاشياء، وأن النظرية أوسع من هذه النظرة الضيقة وانها تحتوي جوانب ايجابية عديده، قد يكون ذلك صحيحا،  ولكن آخر دولتين عربيتين أوليتا اهتماما لفكرة التحوّل في التعليم  منذ سنوات قريبة لم تخترعا ابرة ولم تصنعا قلما او سيارة، بل رأينا زيادة في الفساد الاجتماعي وانتشار صالات القمار والمراقص واتفاقيات التطبيع، تحت ذريعة تفهّم الآخر والتعايش والتشكيك في المفاهيم السابقة واعادة طرحها بشكل جديد ، فخرج علينا من يؤكد أن فلسطين تاريخيا ليست للفلسطينيين والاقصى ليس في القدس ، والقدس لكل الديانات وهكذا !! 

النظرية اذا لم تخضع لاعادة نظر وموائمة، سيتم استغلالها لا لتطوير الافكار العلمية والمشاريع الابتكارية، بل للتركيز على النواحي الاجتماعية وتفكيك أو تذويب الموروث الثقافي والعقائدي تدريجيا وغسل أدمغة وعقول الجيل القادم والتأثير في سلوكهم وترويضهم لمرحلة قادمة .

نحن هنا لا نناقش النوايا الحسنة أو السيئة لمن سيأخذون على عاتقهم العمل على تطبيق النظرية انما ننظر للاثر البعيد الناتج عن تطبيقها .

لا بأس بالتغيير المدروس والاستفادة من تجارب الاخرين ولكن المشكلة في استيراد قوالب جاهزة، فيجب ان يسبق عملية الاخذ بأي جديد موائمتة وتنقيحه وتحديد التطبيقات عليه بما يتلائم وعقيدتنا وثقافتنا وشريعتنا والحفاظ على المفاهيم والهوية الوطنية والقيَم الاصيلة والتي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، لا أن نفرض على انفسنا تكييف حياتنا بما يتناسب مع ثقافة غيرنا وطريقته في الحياة.