Social Emotional Learning التعلم الاجتماعي العاطفي

أمجد المصري – 1/9/2022

عندما رأيت حصة مصوّرة لهذا النوع من التعلّم في بلادنا، ادركت انهم يوهمونا أن منتجنا الجيّد غير فعال ، ويدفعون لنا مقابل وضع ملصق منتجهم على منتجنا لنروّجه باسم جديد.

في الآونة الاخيرة بدأ في بلادنا الترويج لنوع مستورد من التعلّم اسمه التعلّم الاجتماعي العاطفي وبالتأكيد فان هذا الترويج والتشجيع والتغطية الاعلامية على استخدام هذا المشروع ليس مجانيا، فتم تمويل دورات ولقاءات وورشات عمل حول هذا الموضوع على اعتقاد أنه نوع حديث من التعلّم ويقدم حلولا لمشاكل الطلبة والشباب.

لنلقي نظرة :

باختصار التعلم الاجتماعي العاطفي ليس جديد هو مشروع او نظرية ظهر في الغرب بهذا الاسم في اواخر التسعينيات من القرن الماضي ويطرح خمس مهارات في التعلّم. ويرتكز هذا النوع من التعلّم على مهارات موجهة نحو ذات الفرد من جهة، وعلاقته بالاخرين والمحيط من جهة أخرى، ويتم صياغة تلك المهارات بمصطلحات وعبارات جاذبة ومبهرة، والحقيقة انها لا تعدوا ما كان يتعلمه طلبة الصفوف الاساسية في بلادنا منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي من مفاهيم مبنية على أساس الدين والعقيدة، اما في النموذج الجديد فيتم طرحها كأنها (اختراعات) اجتماعية او تربوية جديدة وكأننا لم نسمع بها.

قبل أن نسمع بهذا المصطلح ، كان التعليم الذي تلقيّناه في الماضي يركّز على تهذيب النفس والنظافة الشخصية والتي تبدأ من الوضوء وتقليم الاظافر وقص الشعر والتخّلق بالصدق والامانة واحترام الكبار والمعلمين واطاعة الوالدين والاحسان لهما وحفظ حق الجار، وأدب الاستئذان، والتصدّق والتهادي وآداب الزيارة، وحسن التصرف في المناسبات وعند استقبال الضيوف، وكان المعلم يجعل الطلبة يمثلون الادوار بانفسهم، كذلك فان التعلم بوقتها كان يشمل التواضع ( وعباد الرحمن الذين ينشمون على الارض هونا..) وتحريم التمييز على اللون والعرق (لا فضل لعربي على اعجمي ولا اسود على ابيض .. الخ ) كما يشجع على الاهتمام بالعلم (من سلك طريقا يلتمس فيه علما ) وحث على التفكير والتأمل والثقة بالنفس والعمل بجد ، والحفاظ على ممتلكات الغير وعدم الاعتداء عليها أوسرقتها لحرمة السرقة ، والتشجيع على حسن الاستماع والتكلم دون رفع الصوت ،  والعطف على المحتاج وتقديم المساعدة لمن يحتاج والتعاون مع الآخرين على الخير، والرفق بالحيوان ، وعدم تناقل الحديث السيء والغيبة والنميمة ( فليقل خيرا أو ليصمت .. ) والحفاظ على البيئة (اماطة الاذى عن الطريق ) وزيارة المريض ، وآداب الطريق ، وكيف يراقب الشخص نفسه بمقياس التقوى والسعي للحلال والبعد عن الحرام كضوابط عامة والكثير الكثير… وكلها كانت مدعّمة بالآيات والاحديث، تعلّمها جيلنا واجيال من قبلنا ولا اعرف الاجيال اللاحقة هل وصلها هذا التعلم ام لا وفقا للتغيرات التي طرأت على المقررات .

ولو نظرنا مليّا في المهارات الخمسة التي يطرحها التعلم الاجتماعي العاطفي فهي لا تتعدى ما هو مذكور أعلاه وكنا نتعلمه وقتها تحت عنوان (مبحث التربية الاسلامية او التربية الدينية ، ومبحث الاجتماعيات).

ملاحظتنا  ؟؟؟

نلاحظ أن هذا المشروع التعليمي يتحدث عن مهارات جيدة ومقبولة ، الا أنه يعمل على تغييب اي مؤشر للدّين واستبعاده من حياة الاطفال والشباب الذين يتعلمون من خلاله. فيمكن تطبيق هذا النموذج  في مدارس الشعوب الذين لا يهتمّون بالدين كجزء رئيسي في حياتهم مثل الملحديين او اللادينيين مثل بعض دول شرق آسيا ، او في مجتمعات يفصلون الدين عن حياتهم العامة كما العلمانية في الغرب أو ما يطلقون عليهم قليلي الايمان. فأوجدوا هذا النمط من التعلّم في محاولة للتخفيف من حدة الجرائم والاعتداءات وكل السلوكيات الاجتماعية والفردية السيئة الناشئة عن الفراغ الروحي والديني والوازع الداخلي عند شبابهم . في بلادنا يعلل انصار هذا النموذج في التعلم أن الطفل يعاني من حياة اسرية غير مريحة أو تعنيف داخل الاسرة او خلافات أسرية أو بسبب غياب الام عن اطفالها لانشغالها بالعمل خارج المنزل ، وبالتالي فان المعلم سيلعب دور من يقوم بالتعويض ويأخذ بعين الاعتبار الجانب العاطفي والاجتماعي للطفل خلال عملية التعليم . والسؤال هل فعلا يستطيع  ان يحل المعلم محل الام والاب؟ 

الجانب المعتم (حصان طرواده) ؟؟!!

العناوين العامة التي يأتي بها هذا النوع من التعلّم كقالب جاهز، تتجاوز في تفاصيلها التعارض مع مبادئ الدين، فمفهوم قبول الآخر الذي يطرحه بعموميته مثلا لا يقتصر على جوانب اللون والعرق والمعتقدات واختلاف الآراء بل يتعداه الى الاندماج  وتقبّل الشواذ جنسيا بل وتقبّل ممارسة سلوكهم والتعايش معهم كأنه شيء طبيعي وعادي. وقد يتعداه الامر لقبول المحتلّ لارضه وتخفيف حدة العداء بقبول التعايش والانسانية. كما يتطرق للهوية الجندرية (وما ادراك ما الجندرية) وكذلك فيه جانب من التركيز على اقامة العلاقات العاطفية والمقصود ليس مقصورا على الصداقة بل يتعداه الى تنظيم العلاقة ما بين الجنسين وبين ابناء الجنس الواحد.

باختصار لا حدود ولا أطر ولا ضوابط دينية في هذا النمط من التعلّم، ولا يهتم ان كان السلوك يتعارض او يتفق مع الدين بقدر ما يعمل على تنظيمه، وترويض المتعلمين على قبوله برضاهم. وهذا ما اشار اليه كثير من الخبراء الغربيين ومعاهد تربوية انه يجب ربط هذا النمط من التعلّم بالدين اوالايمان Faith ، وأن الدين يغطي جميع الجوانب التي يطرحها هذا النموذج بل اكثر منها اذا تم توظيف تعاليمه بالشكل الصحيح. 

 صحيح نحن نثق بذكاء وفطنة والتزام المعلم ، ولكن تغييب الدّين سيجعل الطالب غير محصّن من الوقوع في المحظورات، فهذه المنهجية ترمي الى ترويض الأطفال على المستوى العاطفي، وإعادة برمجة سلوكهم المعياري وهذا يتطلب ان يكون المعلمين خبراء ومتخصصين في علم النفس وهم ليسو جاهزين لذلك من خلال ورشة عمل هنا او تدريب هناك.

هل يمكن العمل به؟

قبل الاخذ بأي شيء مستورد يجب أن نتأكد انه لا بديل لدينا عنه، ثم نخضعه للفحص واعادة صياغته بما يتناسب مع القيم الدينية والثقافية بمجتمعنا واسقاط ما يتعارض معها. ثم نتأكد من جاهزية منظومنتنا التربوية لتضمين هذا النوع من التعلّم في التعليم ؟ ومعرفة الكلفة المالية المترتبة عليه، ويناسب اي مرحلة ؟ و هل يمكن تطبيقه في صف يحتوي 45 طالب ؟ وهل بامكان كل المعلمين تطبيقه ام يحتاج تخصصات محددة؟ ؟؟ وووو؟؟؟!!

طبعا هو في النهاية مشروع كغيره سينتهي بانتهاء التمويل ثم يتم استيراد مشاريع جديدة.