القائد والمدير – وجداول المقارنة

أمجد المصري – آب – 2020

يتداول كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي جداول كثيرة تقارن بين القائد والمدير، ورغم تباين أوجه المقارنة فيها (على اليسار بعض من تلك الجداول) الا انها تظهر كأنها تفاضل بين شخصين أو منصبين أحدهما جيد والآخر سيء، والحقيقة أنها لا تعكس مقارنة منصفة بين المنصبين لأن كل منصب له مهام وصلاحيات ووصف وظيفي مختلف، والأصح ان نقارن مدير بمدير أو قائد بقائد آخر، وقد نقبل بتلك الجداول على أنها قد تعبّر عن تصرف المسؤول خلال ادارته للعمل أو تجاه الموظفين فيما إذا كان يعزز فيهم المفاهيم والسلوكيات الإيجابية أو السلبية بغض النظر عن المنصب الذي يشغله المسؤول سواء كان منصبا إداريا او قياديا.

قبل أن نجري أي مقارنة بين المنصبين، يجب أن نفهم الفرق بين منصب المدير والقائد من خلال التعرف على المهام والصلاحيات المنوطة بكل منصب ودوره وأثره في المؤسسة، والعلاقة بينهما. وفي هذه العجالة فقط سأسلّط الضوء بشكل مختصر على العلاقة بين المنصبين دون الخوض في التفاصيل الأخرى.

لا يمكن أن تسير أمور المؤسسة بنجاح ما لم يكن فيها مراكز قيادية ومراكز إدارية تتكامل فيما بينها لتأدية المهام وتحقيق أهداف تلك المؤسسة. في الواقع نحن نقول إدارة الوقت ولا نقول قيادة الوقت، وإدارة الازمات لا قيادة الازمات، إدارة التغيير وليس قيادة التغيير، إدارة شؤون الموظفين وليس قيادة شؤون الموظفين وهكذا، وهذا يشير الى أن الادارة ركن أساسي في تحقيق أهداف المؤسسات وتقدّمها، في حين نقول قيادة الجيش لا إدارة الجيش، والسبب يعود لارتباط المنصب القيادي بإصدار الأوامر والقرارات التي تتلقاها الإدارات وتقوم بتنفيذها.

منصب القائد لديه صلاحيات أوسع ومن أبرز مهامه إصدار القرارات المستندة الى دراسة مستفيضة ومعلومات كافية واستشارات ذوي الاختصاص (ومنهم المدراء) ومن ثم توجيه القرار لجهات التنفيذ وهي الدوائر المختصة. يقوم المدير بتلقي القرار من مركز القيادة وتنفيذه محاولا الوصول لأعلى جودة وأقل التكاليف مستغلاّ الموارد المادية والبشرية المتاحة وفي الاطار الزمني المحدد وضمن الصلاحيات الممنوحة له، وبما لا يتعارض مع القوانين المعمول بها، فالمدير يقوم بإنجاز المهام وفقا لوصفه الوظيفي ويحاسَب على الأداء، ولهذا وجد تقييم سنوي للوظائف الإدارية، اما القائد فتقييمه يكون بالنتائج،  فهو يتحمل تبعات ما اتخذه من قرارات بعد تنفيذها، فاذا كانت النتائج سيئة رغم أن تقييمات الأداء للمدير والموظفين كانت جيدة، فان القائد يكون قد اتخذ قرارا غير مناسب، وعليه أن يبحث ويكتشف ما هي الأشياء التي لم يأخذها بعين الاعتبار في القرار وكانت السبب في سوء النتائج، ولهذا نلاحظ ان من يتولون المناصب القيادية في البلاد المتقدمة يستقيلون فور علمهم بنتائج القرارات اذا نتج عنها مشاكل غير محسوبة، أو تسببت بخسائر أو أضرار للمؤسسة أو الاشخاص.

كمثال توضيحي على ذلك، لو أن من يتولّى منصبا قياديا في مؤسسة طلب من مدير المطبعة إنجاز طباعة عشرة آلاف كتاب وترزيمها في صناديق لشحنها خلال يومين، وأغفل المعلومات المتوفرة لديه عن الطاقة الإنتاجية لماكنات الطباعة وعدد الموظفين والذي يحتاج لأسبوع لإنجاز هذه المهمة ما لم يتم توفير إمكانيات أفضل، فقد يتدبر المدير نفسه بعمل ورديتين للموظفين وتكليف الموظف بأكثر من مهمة لإنجاز العمل ضمن الفترة الزمنية المطلوبة، ولكن سيترتب على ذلك مصاريف وأجور إضافية وقد يسبب الضغط الزائد على الماكنات بتلف في أجزائها وتعطل العمل لأيام، وبالتالي فقد ينتج خسائر ومشاكل تفوق العائد المالي، ولا يمكن تحميل المسؤولية للمدير لإنه قام بإنجاز المهمة وفقا للتعليمات بأفضل استغلال للموارد المتاحة وضمن الفترة الزمنية المطلوبة. هنا يتبين لنا الفرق بين قائد ناجح ومتميز وقائد فاشل من خلال نتائج القرارات التي يتخذها وأثرها على المؤسسة. وكذلك نستطيع ان نقارن مدير ناجح استغل الموارد المتاحة لتنفيذ المهمة بأعلى جودة وأقل تكلفة ضمن إطار زمني محدد وبما يتفق مع منظومة القوانين والتعليمات. وبين مدير فاشل أهدر الموارد ولم يحسن تنفيذ المهمات الموكلة اليه بالشكل المطلوب.

من هنا نجد ان المؤسسة الناجحة هي تلك التي يتولى المناصب القيادية فيها من يحسنون اتخاذ القرار والذين يتولون المناصب الإدارية فيها من يحسنون التنفيذ. 

هذه ليست حقائق